MATH.PNU

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

طرق تدريس الرياضيات

إن التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم في عصرنا الحاضر الموصوف بعصر الآلة؛ التي سهلت على الإنسان كثيراً من العمليات والمهارات التي كانت تعد مطلباً أساسياً في عملية التعلم، نظراً لتميزها بالدقة والسرعة الفائقة، أدى ذلك إلى أن ينحو رجال التربية والتعليم منحنىً مغايراً نوعاً ما في مفهوم بناء المناهج وطرائق تدريس الرياضيات ..... فبدلاً من التركيز على المهارات الحسابية أصبح التركيز على تعلم المفاهيم الرياضية وطرق إكسابها للطلاب، وتنمية القدرة على حل المسألة الرياضية، وإكسابهم أنماطا سليمة في التفكير. ولم يكن هذا إلا نتيجة مباشرة للانفجار المعرفي، الذي جعل الإلمام بجزيئات المعرفة وتعليمها للطلاب عبر منهج تقليدي أمراً صعباً، لذ كان الاتجاه الحديث هو التركيز على المفاهيم الرياضية وعن طريقها يكتسب الطلاب المهارات الأساسية، وأصبح هذا الاتجاه هو السائد في إعداد المناهج عامة ومناهج الرياضيات بصورة خاصة (صبحي وعابد 1996، ص9) و (عارف,1994، ص58) . وقد أدى تطور الفكر البشري وازدياد متطلبات الحياة واتساع تطبيقاتها إلى تطور الفكر الرياضي لدى الشعوب واتساع مجالاته، إذ تختلف النظرة إلى الرياضيات باختلاف الأفراد واهتماماتهم وحاجاتهم ومدى تطبيقها واستخدامها في حياتهم العملية (احمد، 1997، ص5 ).
فالنظرة إلى الرياضيات وماهيتها؛مثلاً, عند قدامى المصريين والبابليين وغيرهم تختلف عن النظرة أليها الآن إذ اقتصرت النظرة إليها قديما على أنها: علم يختص بإيجاد المساحات والأطوال، والعدد... وليس هذا إلا نتيجة لحاجاتهم الحياتية وما تفرضه من متطلبات ( صبحى و عابد، 1996 ص5).
وعلى هذا الأساس اهتمت الدول المتقدمة؛في وقتنا الحاضر؛ اهتماما كبيراً بتطوير المناهج وطرائق تدريسها بشكل عام ومناهج الرياضيات بشكل خاص، وذلك بدراسة مناهجها دراسة دقيقة وشاملة، ثم تطويرها وتعديلها، وقد تأثرت الدول النامية بذلك مما أدى إلى مضاعفة الاهتمام بها للوصول إلى مكانتها اللائقة. وقد شهدت الرياضيات في القرن العشرين تغيراً كبيراً جداً مما جعلها تلعب دوراًً أساسيا في التطور العلمي والتكنولوجي فالآلات الإلكترونية والأقمار الصناعية والسفن الفضائية والصواريخ وأجهزة التسير الذاتي وغيرها من مظاهر التقدم العلمي والتكنولوجي تعتمد اعتمادا كلياً على الرياضيات. فقد امتدت الاستخدامات المختلفة للرياضيات حتى شملت الكثير من المجالات التطبيقية في العلوم التطبيقية والإنسانية. ولذا كان لزاماً على كل فرد في هذا العصر أن يكون بصيراً بالدور الذي تقوم به الرياضيات. وهذ كفيل بتكوين وعي رياضي يتطلب مزيداً من الدراسة ومزيداً من التنقيب في ثنايا هذا الإنتاج الفكري العظيم.
بالإضافة إلى النظرة إلى الرياضيات على أنها طريقة ونمط في التفكير في كونها تساعد الإنسان على تحليل المواقف وإدراك العلاقات المتداخلة بين عناصرها أو تقرر نسبة احتمال صحة فرضية أو قضية ما (أحمد،1997، ص11) و (أحمد ومسعد،1995،ص 57) فهي لغة تستخدم تعابير ورموزا محددة ومعرفة بدقة، وهي لغة الصناعة والتجارة والمحاسبة والقياس والمعاملات اليومية.
فلغة الرياضيات تستخدم في كافة العلوم من خلال الطرق الرياضية الحديثة في التحليل والتركيب والتفكير (إبراهيم، 2000 ، ص1) ، فالنظرة إلى الرياضيات كمادة دراسية على أنها بناء هرمي بحيث يعد كل موضوع دراسي متطلباً أساسيا لدراسة موضوع من الموضوعات التالية له في داخل إطار كل موضوع (صلاح، 1994، ص9) . فهي بذلك بناء متماسك القوى من مفاهيم وتعميمات ومهارات وحل المسألة الرياضية (فارق,1990، ص1)
و ينظر "ديينز " إلى الرياضيات على أنها دراسة اللبنات ( study of structures) وتطبيقها وتوضيح العلاقات بينها وتنظيمها في فئات (وليم عبيد وآخرون ،1987 ، ص90). فهي بذلك لم تعد مجرد عمليات روتينية منفصلة أو مهارات فقط، بل هي أبنية محكمة، يتصل بعضها ببعض اتصالاً وثيقاً، مشكلة في النهاية بنياناً متكاملاً، وأساس بنائه ولبناته الأولى هي المفاهيم (محمود، 1989، ص 1) (محمد,1999 ,ص16)
كما أن النظرة إلى الرياضيات وماهيتها أدى إلى انعكاس ذلك على المناهج الرياضية وأهدافها، إذ يرى بعض المربين ( غازي، 1986) إن من أهم الاتجاهات الحديثة في بناء المناهج الرياضية في إطار بنى رياضية (غازي، 1986، ص 58-90) و للمفاهيم الرياضية دور كبير في بناء مادة الرياضيات وذلك في:
1. كونها هدفا من أهداف تدريس الرياضيات، وفى ذلك يشير (جونسون ، ورزينج ) بقوله: "هو مساعدة الطلاب على اكتساب كفاية المفاهيم والمعلومات الرياضية وكذلك القدرة على حل المسألة الرياضية " (فريد، 1985، ص).
2. "إن اكتساب المفاهيم هو من ابرز الأهداف التي تركز عليها المناهج في أي مرحلة من مراحل التعليم المختلفة لكونها اللبنات والركائز الأساسية للمعرفة الرياضية " (خالد، 1992، ص1).
فالمفاهيم هي اللبنات الأساسية والدعائم التي تبنى عليها المعرفة الرياضية، كما أن المبادئ والقوانين والنظريات هي علاقة ربط بين المفاهيم وتمثل الهيكل الرئيسي للبناء الرياضي والمهارات الأساسية في جوهرها تطبيق للمفاهيم واستعمال لها ووضعها في شكل خوارزميات وقواعد تستخدم لحل المسألة الرياضية والمشكلات العامة(وليم،1989,ص12)، كما أن لها دور فعال في تنظيم الخبرة التعليمية، وهي الأساس الذي يبنى عليه المتعلم معلوماته الجديدة، وبصورة ذات معنى(ملاك، 1996، ص59). ويذكر برونر إن معرفة المفاهيم يقلل من الحاجة إلى إعادة التعلم عند مواجهة مواقف جديدة(محمد و وقاسم،1994،ص 17)، (أزهار، 1997, ص5) حيث تساعد المتعلمين في حل صعوبات التعلم التي تواجههم أثناء تقدمهم في مراحل التعلم ( عدنان , 1996 ,ص2 ) وذلك في إسهامها في تسهيل انتقال إثر التعلم إلى مواقف جديدة في كونها تعمل على تقليل الفجوة أثناء تعلم الطلاب لبنية المادة الرياضية ( محمد ،1999، ص 3) و( نعمان ،1994، ص 18) كما أن معرفة المفاهيم تساعد على التعلم الذاتي ومتابعة تطور المعرفة العلمية المستمرة مدى الحياة ( عايش,1991،ص95)، فمرونة المفاهيم تسمح للمتعلم استيعاب العديد من الحقائق الجزئية دون أن يتأثر النظام المعرفي للمتعلم، وذلك من خلال بعض الخصائص المشتركة التي تؤهلها للانتماء إلى صنف معين (جراغ والجاسم،1986،ص 104). فهي بذلك تزود الطلاب بنوع من الثبات والاتساق لدى تفاعلهم مع المثيرات البيئية المتنوعة(عبد المجيد ،1985، ص 433). ويذكر برونر( Bruner) أن المفاهيم تعد خطوة ضرورية لتعلم المبادئ والقوانين والنظريات(رمضان، 1987،ص 19)؛ فهي بذلك تمثل حجر الزاوية في تعلم البنية المعرفية للمادة الدراسية وتعلمها، وهي ذات علاقة مباشرة بطريقة البحث والتفكير المستخدم في كل علم (عبد الله، 1999 ، ص 3).
كما تبرز أهمية المفاهيم الرياضية في كونها أحد الحلول العصرية لإلمام الطلاب بالكم الهائل من المعلومات، نتيجة الانفجار المعرفي، الذي تشهده الموضوعات العلمية بشكل عام والرياضيات بشكل خاص (محمد ، 1992، ص1) و( سامي ، 1996، ص133 ).
وللمفاهيم مردود إيجابي لمن يكتسبها، إذ تعمل على تنظيم الخبرة العقلية، وتمثل المفاهيم أهم مثيرات التفكير( أنور وسكينة ،1994، ص12) و( عدنان ،1996 ، ص2). وتعمل على إدراك العلاقات القائمة بين الأشياء التي تقود إلى المعكوسية في التفكير – التفكير الإجرائي وبمعنى القدرة على التنظيم ونسبة الخبرة إلى الشكل المنتظم الذي تنتمي إليه (، (ClarenceJ0,1994,p4)و (زكريا ويسرية ، 200، ص 58) بالإضافة إلى ذلك فعملية اكتساب المفاهيم تعمل لمن يكتسبها على اكتساب أداء بعض العمليات مثل – التصنيف والتفسير – التنبوء والقدرة على استخدام المعلومات العلمية لفهم وتفسير الظواهر وحل المشكلات التي تصادفه في حياته.كما أنها تشكل قاعدة ضرورية للسلوك المعرفي الأكثر تعقيداً كالمبادئ والتفكير وحل المشكلات (عبد المجيد،1996, ص434).
بالإضافة إلى أهمية المفاهيم في البناء المعرفي فلها أهمية في بناء المناهج وتخطيطها فهي تعمل كخيوط أساسية في النسيج العام للمنهج، إذ تساعد المفاهيم مخططي المناهج المدرسية ومنفذيها على تطوير المناهج وتحسينها، فهي تجعل عملية تطوير المناهج عملية هادفة وواضحة الأغراض ومحددة الاتجاهات للمخططين لاختيار الخبرات التعليمية وتنظيمها واختيار الاستراتيجية اللازمة لتنفيذ المنهج، وكذلك اختيار المواقف والنشاطات التعليمية المناسبة ( عبداللة وصالح ، 1986، ص 106) بالإضافة إلي ما سبق فان للمفاهيم أهمية في كونها تسهل عملية اختيار محتوى المنهج المدرسي ( جودة و جمال ، 1988 ، ص15). إذ يكون المعيار الأساسي في هذا الاختيار مدى علاقة الموقف التعليمي بتشكل المفاهيم وتعلمها واكتسابها ( أزهار ،1997، ص5) كما أنها تساعد في بناء منهج متتابع لكل مراحل التعليم المختلفة، وبذلك تحقق معيار الاستمرار والتتابع من حيث شروط التعلم الجيد واستمرار الخبرة والتتابع (فاطمة ، 1997 ،ص 2). فهي تساعد على ربط الحقائق والتفصيلات الكثيرة، وربط المواد الدراسية المختلفة بعضها ببعض وبذلك تحقق التكامل المعرفي (عارف ،1994، ص51)
وانطلاقاً من أهمية المفاهيم أهتم مخططو مناهج الرياضيات بدراسة وتنمية المفاهيم الرياضية في إطار بنى رياضية، إلا أنه نتيجة للتسارع الكبير في المعرفة الرياضية وتعقيد الحياة لم تصمد المناهج التي اعتمدت في تصميمها على البنى الرياضية، نتيجة لتعدد البنى الرياضية؛ مما أدى إلى بروز الحاجة إلى مناهج تتناول أسلوب حل المشكلات، وهذا بدوره يتطلب التركيز على الأساسيات أكثر من التركيز على البنى الرياضية.و من هنا برزت حركة العودة إلى الأساسيات، التي كان من أهم دواعيها التركيز على المفاهيم الأساسية وكذلك السعي لامتلاك الطلاب القدرة على حل المسألة الرياضية (صبحي وعابد,1996،ص 7). والمتأمل إلى مناهجنا الرياضية، وما يجري في الواقع الصفي وطرق التدريس المتبعة، يرى أنها تسعى إلى التأكيد على حفظ المفاهيم والحقائق واستظهارها دون إدراك لمعناها الصحيح، فطرق التدريس المتبعة تسعى إلى نقل المفاهيم والحقائق كما هي، كما أن المناهج تؤكد على المهارات الرياضية الروتينية التي لا يمت بمعظمها بصلة إلى واقع الحياة، وينظر بعض المربين أمثال (Higgins,1979) إلا أن الرياضيات " على أنها أكثر من تذكر النماذج أو تحصيل للمفاهيم أو تعلم للحقائق، فهي تمثل شيئاً نفعله ، لأنها عبارة عن نشاط الفرد عند التفكير في حل المشكلة" (جاد الله، 1998، ص23). أو أنها وسيلة لحل بعض مشكلات حياة الفرد (حسن، 1995، ص 75).
وانطلاقاً من أهمية المفاهيم في البناء المعرفي وأهمية اكتسابها في عملية التعلم إذ تعتبر من العوامل المؤثرة في عملية التعلم، فإن امتلاك الفرد بنية الموضوع المعرفي يترتب عليه توليد معرفة جديدة والتوصل إلى علاقات بين عناصرها كما يستطيع توظيفها في حل المشكلات (عبد الله ، 1997، ص 4).
ونتيجة لأهمية المفاهيم في البناء المعرفي وأهمية عملية اكتسابها فقد سعت بعض الدراسات؛ التي حاولت تحديد مستوى اكتساب الطلاب لبعض المفاهيم؛ كدراسة(رمضان,1987 ) و (هاني،1994)،( تيسير،1982م)و( عبد الله ,1988).التي أظهرت نتائجها وجود تدني عن المستوى المقبول تربوياً في عملية اكتساب الطلاب للمفاهيم الرياضية وقدرتهم على أداء المهارات الرياضية، كما أظهرت نتائج بعض الدراسات كدراسة(نايف ،1981م ) و ( القضاء، 1988). وجود علاقة ارتباط بين اكتساب المفاهيم والمهارات الرياضية.
وفي الآونة الأخيرة، أدرك المربون أهمية عملية اكتساب المفاهيم من منظور يوافق متطلبات العصر، ومن المنطلق السابق فقد أجريت العديد من المشروعات الحديثة ومن أهمها مشروع (APS) الذي أكد على وجوب تقديم المسائل الرياضية مبنية وفق نموذج مفاهيمي وانطلاقا من ذلك وضرورة الحصول على معلومات تتصف بالموضوعية والثبات في معرفة ما تم اكتسابه من مفاهيم وترجمة هذا الاكتساب في مواقف أخرى تبين مقدرة الطلاب في توظيفها كحلهم لمسائل رياضية مبنية على تلك المفاهيم.